الرئيسية
Essam Sultan - عصام سلطان
المثقفون
لا أعلم هل أنا من المثقفين أم لا ؟ عندى شعور بأننى لست منهم ، على الرغم من أننى عشت عمرى الذى اقتحم الخمسين ، مشغولا بالقراءة والكتابة والحوار ، لكن يبدو أننى لازلت بعيدا عن نيل هذا الشرف ، شرف أن أكون مثقفا ..
كانت أولى أيامى التى انبهرت فيها باللفظ ، لفظ مثقف ، فى الجامعة ، حين لفت نظرى بعض من زملائى الواقفين أمام لوحة ورقية ممددة على الأرض ، عليها قالب طوب لمنعها من الطيران مع الهواء ، وحين دققت فى الكتابة التى عليها لم استطع قراءة لفظ واحد ، ربما لرداءة الخط ، وربما لضعف لغتى العربية ، حاولت التظاهر بأننى قرأت وفهمت كل شئ ، ودخلت فى المناقشة الساخنة بين أطرافها الذين رحبوا بى، إلى أن تبينت بعد مدة طويلة من اللخبطة ، أنه خلاف محتدم بين الماركسيين والتروتسكيين ..
كانوا جميعا يعتقدون أننى أتابع مايقولون ، فى حين أننى وبصراحة كنت مشغولا بهيئتهم ، ومابينهم من تشابه ، من حيث الثياب الرثة المهملة ، والوجوه التى لم تر الماء منذ سنين ، والشعر الخشن الكنيش ، بنات وصبيان ، وقد أدركت فيما بعد أن هذا المظهر مقصود منهم ، وليس سببه فقر أو رقة حال أو انقطاع مياه ..
فى آخر النهار وبعد انتهاء المناقشات ، ونحن نغادر الجامعة ، دعونى للغذاء معهم بشقتهم المفروشة التى يقيمون فيها جميعا ، فاعتذرت ، واتفقنا على اللقاء بإحدى مقاهى وسط البلد .. قهوة ريش ..
سبحان الله ، نفس الوجوه ونفس الثياب ونفس الشعور ، ولكن من مختلف الأعمار . كان الجميع يدخن بشراهة ، وشبابيك المقهى مغلقة ، والحوارات دائرة والجدل مستعر والأصوات ترتفع حتى الصراخ ، ولم ينته اليوم إلا بانفصال مجموعة منهم عن مجموعتى الصباح ، وحينها وجدت نفسى أعيش دور المصلح الاجتماعى بين المجموعات الثلاثة ..
سرعان ما رمت كل مجموعة الأخرى بالجهل ، والضحالة الفكرية ، والسطحية ، وادعت لنفسها الإلمام والثقافة ، ومن ثم أحقيتها فى قيادة الطليعة الثورية ، التى ستقود الجماهير الهادرة ، لتسقط الطبقة البرجوازية المتعفنة ، وتحتل مكانها ، لتحكم البروليتاريا ، ويتحقق الحلم الثورى ..
هنا أدركت أن المسافة بينى وبين الثقافة كبيرة ، فالكلام كبير ، ويحتاج لحفظه - ناهيك عن فهمه - شهورا وسنين ، وشروط المظهر صعبة ، فالماء يغسل وجهى على الأقل خمس مرات فى اليوم ، وثيابى على تواضعها مرتبة ، وشعرى على ضعفه مصفوف ، ولا أجلس إلا فى مكان مفتوح النوافذ والآذان ، ولا أحمل فى نفسى كرها اجتماعيا لأحد ، إنما كرهى فقط للاستبداد والظلم والفساد ..
ترى هل هذا هو لب الصراع الدائر الآن فى وزارة الثقافة ..؟ أم أننى لست مدركا لما يدور ..؟
مصيبة أن أكون غير مثقف وغير مدرك فى آن واحد ..
المثقفون
لا أعلم هل أنا من المثقفين أم لا ؟ عندى شعور بأننى لست منهم ، على الرغم من أننى عشت عمرى الذى اقتحم الخمسين ، مشغولا بالقراءة والكتابة والحوار ، لكن يبدو أننى لازلت بعيدا عن نيل هذا الشرف ، شرف أن أكون مثقفا ..
كانت أولى أيامى التى انبهرت فيها باللفظ ، لفظ مثقف ، فى الجامعة ، حين لفت نظرى بعض من زملائى الواقفين أمام لوحة ورقية ممددة على الأرض ، عليها قالب طوب لمنعها من الطيران مع الهواء ، وحين دققت فى الكتابة التى عليها لم استطع قراءة لفظ واحد ، ربما لرداءة الخط ، وربما لضعف لغتى العربية ، حاولت التظاهر بأننى قرأت وفهمت كل شئ ، ودخلت فى المناقشة الساخنة بين أطرافها الذين رحبوا بى، إلى أن تبينت بعد مدة طويلة من اللخبطة ، أنه خلاف محتدم بين الماركسيين والتروتسكيين ..
كانوا جميعا يعتقدون أننى أتابع مايقولون ، فى حين أننى وبصراحة كنت مشغولا بهيئتهم ، ومابينهم من تشابه ، من حيث الثياب الرثة المهملة ، والوجوه التى لم تر الماء منذ سنين ، والشعر الخشن الكنيش ، بنات وصبيان ، وقد أدركت فيما بعد أن هذا المظهر مقصود منهم ، وليس سببه فقر أو رقة حال أو انقطاع مياه ..
فى آخر النهار وبعد انتهاء المناقشات ، ونحن نغادر الجامعة ، دعونى للغذاء معهم بشقتهم المفروشة التى يقيمون فيها جميعا ، فاعتذرت ، واتفقنا على اللقاء بإحدى مقاهى وسط البلد .. قهوة ريش ..
سبحان الله ، نفس الوجوه ونفس الثياب ونفس الشعور ، ولكن من مختلف الأعمار . كان الجميع يدخن بشراهة ، وشبابيك المقهى مغلقة ، والحوارات دائرة والجدل مستعر والأصوات ترتفع حتى الصراخ ، ولم ينته اليوم إلا بانفصال مجموعة منهم عن مجموعتى الصباح ، وحينها وجدت نفسى أعيش دور المصلح الاجتماعى بين المجموعات الثلاثة ..
سرعان ما رمت كل مجموعة الأخرى بالجهل ، والضحالة الفكرية ، والسطحية ، وادعت لنفسها الإلمام والثقافة ، ومن ثم أحقيتها فى قيادة الطليعة الثورية ، التى ستقود الجماهير الهادرة ، لتسقط الطبقة البرجوازية المتعفنة ، وتحتل مكانها ، لتحكم البروليتاريا ، ويتحقق الحلم الثورى ..
هنا أدركت أن المسافة بينى وبين الثقافة كبيرة ، فالكلام كبير ، ويحتاج لحفظه - ناهيك عن فهمه - شهورا وسنين ، وشروط المظهر صعبة ، فالماء يغسل وجهى على الأقل خمس مرات فى اليوم ، وثيابى على تواضعها مرتبة ، وشعرى على ضعفه مصفوف ، ولا أجلس إلا فى مكان مفتوح النوافذ والآذان ، ولا أحمل فى نفسى كرها اجتماعيا لأحد ، إنما كرهى فقط للاستبداد والظلم والفساد ..
ترى هل هذا هو لب الصراع الدائر الآن فى وزارة الثقافة ..؟ أم أننى لست مدركا لما يدور ..؟
مصيبة أن أكون غير مثقف وغير مدرك فى آن واحد ..
