قبل أن تقرأ:
- الجمعة الماضية، 29 يوليو، ظهر "بن لادن" في ميدان التحرير. عشرات أو مئات الآلاف من السلفيين، تميزهم ملابسهم ولحاهم، تظاهروا في الميدان هدفهم "تطبيق الشريعة".
- يتعامل البعض مع السلفيين كأنهم كائن خرافي ظهر فجأة بعد ثورة 25 يناير، ودون أدني معرفة بتاريخ هذا التيار الممتد من سبعينات القرن الماضي.
- الهدف من هذه السلسلة هو التعريف بالدعوة السلفية في مصر، هذا الكيان السياسي الغامض الذي يجهل كثيرون تاريخه وأهدافه.
- تعمدت أن تكون الحلقات مبسطة وقصيرة وسهلة الهضم، مقسمة إلي نقاط مختصرة، تناسبا مع الحالة الذهنية للقارئ، ولي شخصيا، أثناء صيام الشهر الكريم.
- حاولت بقدر الإمكان أن أسرد الوقائع والحقائق دون رأي أو تعليق.
- من باب الأمانة الفكرية، فلابد أن أقول أني علماني أرفض خلط الدين بالسياسة، فلعل القارئ يعذرني إن غلبت علي أهوائي الشخصية دون قصد.
الحلقة الأولي: التاريخ والنشأة
- تشير كلمة "السلفية" إلي منهج فكري يدعو للتمسك بحذافير المذهب السني الإسلامي، ومصادره الرئيسية هي القرآن والحديث وحياة الخلفاء والصحابة والتابعين إلي غيرهم ممن يدعونهم "السلف الصالح".
- يعتمد هذا المنهج الفكري علي تغليب النقل علي الاجتهاد، ويميل أغلب أتباعه الجدد إلي اتباع المذهب الحنبلي وأئمته علي شاكلة "ابن تيمية" و"القيم بن جوزية"، وصولا إلي ورثيه في العصر الحديث، الحركة الوهابية في السعودية ومن أئمتها "ابن باز" و"ابن عثيمين".
- من هنا، فالسلفية تيار أو أيديولوجية واسعة، كالاشتراكية أو الليبرالية، تحوي داخلها عشرات التنظيمات السياسية التي تستخدم تكتيكات مختلفة ولها أولويات متباينة.
- الغالبية العظمي من السلفيين في مصر ليسوا منتظمين في جماعة أوحزب، بل هم ملتزمون بالمنهج الفقهي وأسلوب الحياة والحرص علي ما يسمونه "الهدي الظاهر" أي اللحية والنقاب وغيرها من علامات الالتزام الديني.
- ما يعنينا هنا ليس فقه المذهب السلفي الذي من السهل التعرف عليه من خلال متابعة قنوات مثل "الناس" و"الحكمة وغيرها"، ولكننا سنركز علي أكبر تجمع سلفي منظم في مصر وهو ما يسمي "الدعوة السلفية"، وهو أكبر تيار سياسي سلفي نشط، خاصة بعد ثورة 25 يناير.
- أوائل السبعينات نشأت جماعة إسلامية متطرفة تسمي نفسها "الجماعة الإسلامية"، تهدف إلي الانقلاب المسلح لإقامة دولة الخلافة الإسلامية. أشهر أعضائهم بالطبع هو عبود الزمر، قاتل أنور السادات.
- عام 1977، اعترض بعض أعضاء الجماعة الإسلامية في الإسكندرية علي أسلوب الصدام المسلح، مفضلين الأساليب السلمية في التغيير القائمة بشكل رئيسي علي التعليم والتثقيف.
- كان من أهم هؤلاء الأفراد المنفصلين هم الشيخ ياسر برهامي، الشيخ محمد عبد الفتاح وغيرهم، ويلاحظ أن أغلب المنفصلين كانوا طلبة في كليات علمية مثل الطب والهندسة وعلي مستوي عال من الثقافة والاجتهاد.
- عام 1979 قررت المجموعة المنفصلة أن تطلق علي نفسها "المدرسة السلفية" تمييزا لنفسها عن "الجماعة الإسلامية"، واقتصر النشاط الديني لأعضاء المدرسة السلفية علي نشر الفكر السلفي واجتذاب أعضاء جدد. لم تواجه الدعوة مشكلات مع الحكومة لالتزامها بالمنهج السمي ونبذ العنف.
- استمرت الدعوة في العمل ونشر أفكارها التي اقتصرت علي الالتزام الديني دون اصطدام بالحكومة ودون نشاط سياسي، وتوسع عدد أعضائها وأصبح لمشايخها شعبية كبيرة.
- عام 1984 غيرت المجموعة المؤسسة للمدرسة السلفية اسمها إلي "الدعوة السلفية"، وهو الاسم الذي تحتفظ به حتي الآن، وذلك للإشارة إلي أن نشاطها لم يعد يقتصر علي التعليم فقط، بل تعداه لأنشطة اجتماعية وثقافية مختلفة، نتعرف عليها في الحلقة المقبلة غدا ان شاء الله
في الحلقة الأولي تحدثنا عن انفصال بعض أعضاء "الجماعة الإسلامية" في الأسكندرية وتكوينهم "المدرسة السلفية" التي تحولت إلي "الدعوة السلفية" عام 1984
دلالة تغير الاسم من "المدرسة" إلي "الدعوة" هو توسع نشاط المجموعة لتتخطي التدريس والوعظ إلي دور اجتماعي وتثقيفي أوسع
عدد المساجد بمصر أقل كثيرا من عدد أئمة الأوقاف. كما أن الكثير من أئمة الأوقاف ليسوا علي مستوي عال من الثقافة والتفقه. من هنا، استطاع أتباع الدعوة السلفية الانتشار في المساجد لسد هذه الفجوة ونشر فكرهم علي نطاق جغرافي أوسع
مع انتشار الفكر السلفي في أوساط واسعة وانضمام المزيد والمزيد من الأعضاء إلي الدعوة السلفية بالأسكندرية، أصبح بإمكان الدعوة التصدي لدور اجتماعي في رعاية الفقراء والأيتام من خلال إدارة الزكاة التي يجمعوها من المساجد ذات الأئمة التابعين للدعوة
الجيل المؤسس للدعوة السلفية قد تعلم فن التنظيم والإدارة من الجماعة الإسلامية. الجماعة الإسلامية كانت تقوم علي خلايا يرأسها "أمراء" للخلايا وصولا إلي أمير الأمراء في نظام هيراركي. أما الدعوة السلفية فكان عليها "قيم" بتشديد الياء وكسرها، يتولي إدارة شؤونها. وكان القيم هو الشيخ محمد عبد الفتاح، الذي لا يتمتع بكاريزما ونادرا مايظهر أو يخطب في العلن. لكن أعضاء الدعوة طالما شهدوا له بالتفوق في المهارات الإدارية.
استطاع أبو إدريس مع المجموعة المؤسسة للمدرسة السلفية، كالشيخ أحمد فريد والشيخ ياسر برهامي والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ عبد المنعم الشحات وغيرهم إدارة الدعوة السلفية وتنظيمها بإحكام، فأقاموا لجان إعلامية ولجان تثقيفية ولجان للجامعات ولجان للزكاة وغيرها
في التعليم: عام 1986 أنشأت الدعوة "معهد الفرقان" بحي باكوس وأشرف عليه الشيخ أحمد حطيبة. الطالب المعهد كان يشترط أن يكون حافظا لعدة أجزاء من القرآن. ويدرس الطالب لمدة سنتين كاملتين في القرآن وتفسيره والسنة والفقه والنحو واللغة وغيرها . يمر الطالب بامتحانات عديدة إلي أن يحصل علي "الإجازة" وهي شهادة من الشيخ بأن تلميذه أصبح قادرا علي الخطابة. إنها شهادة ليست معترف بها من قبل الدولة، لكن من يحصل عليها يصبح خطيبا في مساجد الدعوة
في الإعلام: عام 1986 أنشأت الدعوة مجلة "صوت الدعوة" التي كانت تنشر آراء مشايخ الدعوة و"السبيل" التي كانت تهتم بأخبار العالم الإسلامي. هذه المجلات تثبت أن الدعوة السلفية كانت تنشر آرائها بصراحة ووضوح، ولم تكن "تختبئ" قبل الثورة كما يدعي البعض. لكن الإعلام وقتها، خاصة مع غياب الإعلام الخاص، كان يتجاهلهم تماما
في الجامعات: نظم طلاب الدعوة السلفية العديد من الفعاليات علي مدار السنين. كان من عادتهم تخصيص أسبوع بعينه لنشاط محدد. "أسبوع الحجاب" للتوعية بالزي الإسلامي مثلا، ومعارض كتب وندوات وتوزيع كتيبات وملصقات في الجامعة وغيرها
لم تعبأ الدولة بالدعوة السلفية لبعدها عن العمل السياسي. لكن مع ظهور موجة الإرهاب التي ضربت مصر في التسعينيات انتهي شهر العسل بين الدولة والدعوة السلفية فتعرضت للبطش من أجهزة أمن الدولة وتغيرت أساليبها. نتابع غدا في الحلقة الثالثة إن شاء الله
توقفنا في الحلقة الثانية عند ازدهار الحركة السلفية في أواخر الثمانينات وتأسيسها لمجلات ومراكز علمية واجتذاب عدد ضخم من المريدين
في التسعينيات تعرضت الدعوة السلفية مثل غيرها من الحركات الإسلامية للإقصاء الكامل والتعامل الأمني الصارم بعد تعرض مصر لعدة هجمات إرهابية
لم تكن الدعوة السلفية ضالعة في أي عملية إرهابية ولم يثبت علي أي من أعضائها التورط في أعمال عنف، لكن ذلك لا يمنع أن كافة مشايخها قد تعرضوا للاعتقال والتعذيب، ومنهم "قيم" الدعوة نفسه الشيخ أبو إدريس
تم إغلاق معهد الفرقان، المعهد المعتمد لتدريس الفكر السلفي كما تم إغلاق مجلتي السبيل وصوت الدعوة ولم يسمح للدعوة بالظهور الإعلامي علي الإطلاق. وكان أئمة الدعوة في الأسكندرية ممنوعون من السفر بحرية بين المحافظات، ناهيك عن السفر إلي خارج مصر
مع اعتقال وتعذيب العديد من أعضاء الدعوة من قبل أجهزة الأمن، صار لأمن الدولة جواسيس وأعين داخل الدعوة السلفية، ومعرفة تامة بأدق شؤون الدعوة. أحد قادة الدعوة قال لي ذات مرة أن معلومات أمن الدولة عن الدعوة كانت دقيقة بدرجة 90% علي الأقل
رغم ذلك فإن التنظيم الشديد للدعوة سمح لها بالاستمرار رغم كل الضغوط الأمنية. اختفت الألقاب والمناصب والهياكل الإدارية ولم يعد لها وجود معلن، لكن أنشطة الدعوة استمرت. توزيع الزكاة استمر وإن بدرجة أقل
استولت وزارة الأوقاف علي العديد من المساجد السلفية واستبدلت المئات منهم بأئمة الأوقاف المعتمدين، لكن نقص عدد الأئمة الرسميين سمح للدعاة السلفيين بالاستمرار في السيطرة علي العديد من المساجد خاصة التي تبعد عن قلب الأسكندرية، مثل منطقة العامرية ووادي القمروبركة السبع وغيرها
لم يعد هناك معاهد تمنح "الإجازة" لكن الدروس الدينية غير المنتظمة بعد صلاة العصر والعشاء كان لها دور هائل في جذب المزيد والمزيد من طلاب العلم الشرعي للدعوة
رغم كل التضييقات الأمنية أصبح للدعوة السلفية فروع في المحافظات، من القاهرة لأسوان. التيار السلفي بشكل عام كان موجود في كل أنحاء مصر، لكننا هنا نتحدث عن جماعة منظمة بعينها، هي "الدعوة السلفية"، التي صارت الأسكندرية عاصمتها وأئمة الدعوة فيها هم فقهائها الذين يتبعهم أعضاء ومنسقين في كل أنحاء مصر
شهدت فترة التسعينات ظاهرتين شديدي الأهمية
مع انحسار المطبوعات السلفية الدورية وحرمانهم من إصدار الصحف والمجلات، ازدهرت دور النشر الصغيرة التي تتولي طبع كتب التراث وكتب مشايخ الدعوة في طبعات شعبية.لم يهتم شيوخ الدعوة بالتصاريح والإجراءات القانونية وسمحوا للجميع بنقل وطبع كتبهم دون قيود. كل من حضر معرض القاهرة الدولي للكتاب في العقد الماضي يذكر الحضور السلفي المكثف لهذه الدور
ازدهرت في تلك الفترة الجمعيات الخيرية السعودية العالمية، وأهمها موسسة "رابطة العالمة الإسلامية" ومقرها السعودية، ومؤسسة "الحرمية الخيرية" ومقرها في باكستان لكن تمويلها سعودي. هذه المؤسسات بنت العديد من المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء أوروبا. وكانت هذه الجمعيات تستعين بمشايخ السلفية، وكثير منهم من أعضاء الدعوة السلفية، للخطابة والتدريس هناك لسنين عديدة وبمرتبات خيالية. وبعودة هؤلاء المشايخ لمصر أسسوا شركات استثمارية في كافة المجالات، بداية من المتاجر ومحلات الطعام، للمستشفيات وشركات تسويق الأدوية. وكان لهذه الشركات دور مهم في الحفاظ علي الدعوة وتمويلها بعد ذلك، وكثير من رجال الأعمال/المشايخ السلف هم الآن من أهمم ممولي حزب النور السلفي الذي سنتحدث عنه في حلقات لاحقة
انتهي دور هذه الجمعيات الخيرية الضخمة أوائل الألفينات بعد أن تم إغلاقها وتجميد أرصدتها بعد اتهامها بتمويل أنشطة إرهابية أعقاب سبتمبر 2001. لكن الدعوة السلفية والتيارات السلفية في العالم العربي أجمع كانت قد استفادت منها واستمرت في نشاطها، وبدأت الدعوة السلفية في مصر تطوير أساليبها مع مطلع القرن الحادي والعشرين مما هيئ لها أتباع وتنظيم محكم ظهر بعد الثورة، سنتحدث عنه غدا إن شاء الله.
في الحلقة الثالثة تكلمنا عن تعرض الدعوة السلفية لضربات أمنية عديدة ضمن سياسة قمع جميع الحركات الدينية في التسعينيات كسبيل لمواجهة هجمات الإرهاب، و
كان جهاز أمن الدولة يصنف التيار السلفي إلي نوعين، السلفية التنظيمية والسلفية غير التنظيمية، وكانت الدعوة السلفية بالطبع تنتمي للنوع الأول
قلنا أن التنظيم المحكم للدعوة السلفية أدي إلي استمرار نشاطها في الدعوة وتوزيع الزكاة رغم التضييق الأمني الشديد، لكن أواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفينات شهد 3 ظواهر هامة ساهمت في بقاء واستمرار الحركة
ظهور وانتشار الانترنت:
أواخر التسعينات ظهر موقع "طريق الإسلام" السعودي وكان وقتها أكبر موقع سلفي علي الإطلاق. استكتب الموقع شيوخ الدعوة السلفية ونشر مقالاتهم، فكان لفترة المنفذ الوحيد لهؤلاء المشايخ للكتابة والنشر. انتشرت بعدها المنتديات والمواقع التي أتاحت للمشايخ الحديث المباشر ورد الفتاوي لأعضاء الدعوة حول مصر كلها دون حاجز.
إلا أن أولي المواقع الرسمية للدعوة السلفية لم تظهر إلا عام 2006، ففي هذا العام نشأ موقع "صوت السلف". تم إنشاء الموقع بالجهود الذاتية علي يد 7 متطوعين فقط من أعضاء الدعوة بالأسكندرية مستخدمين جهازين كمبيوتر فقط. اعتمد الموقع علي نشر مقالات 25 كاتبا من مشايخ الدعوة السلفية، أهمهم الشيخين ياسر برهامي وعبد المنعم شحات. تطور الموقع ليتضمن بابا كاملا للرد علي الفتاوي في كل شيئ وعن أي شيئ، بداية من حكم ارتداء دبلة الخطوبة أو التي شيرت الذي يحمل أسماء "الكفرة" من لاعبي كرة القدم، إلي رأي مشايخ الدعوة في بن لادن والإخوان المسلمين والانتخابات وغيرها.
تعرض القائمون علي الموقع لضربات أمنية واعتقالات وتهديدات متفاوتة في موجات من الشد والجذب التي تعرض لها جميع الناشطين من كافة الحركات السياسية، مثل كفاية، في ذلك الوقت. ورغم المصاعب الأمنية فإن نجاح الموقع والإقبال المذهل عليه شجع الدعوة علي إنشاء موقع "أنا السلفي" عام 2007 المخصص للمقاطع الصوتية والمرئية. كل مسجد يحاول رواده جمع تبرعات كافية لشراء كاميرا والتطوع لمتابعة شيوخ المسجد وتوثيق خطبهم. تقول الدعوة أن جميع المقالات تعبر عن رأي الدعوة رسميا، أما مقاطع الفيديو فلا تعبر إلا عن رأي صاحبها لكثرتها وصعوبة حصرها ومراجعتها.
ظهور القنوات التليفزيونية السلفية
في الخمس سنوات الأخيرة، والتي لم تكن تدعوة لمنهج "الدعوة السلفية" تحديدا بل إلي التيار السلفي بشكل عام. وظهرت أغلب هذه القنوات برؤوس أموال خليجية سعودية، منها مثلا شركة البراهين التي كانت تمتلك قنوات الناس والحافظ والخليجية والصبا والجمال، وكلها اعتمدت علي مشايخ مصريين منهم مشايخ من الدعوة السلفية
تعليم الأطفال وبناء مجتمع
أهم ما كفل للدعوة السلفية الاستمرار كان اهتمامها الشديد بالتعليم والتربية للأجيال الجديدة. تحفيظ القرآن للأطفال مجانا أو برسوم قليلة وتعليمهم أصول الدين كان من أهم أنشطة المساجد السلفية.
أوائل الألفينات قام الشيخ مصطفي دياب، أحد كبار مشايخ الصف الثاني للدعوة، بإعداد منهج ديني للأطفال ونشره في كتاب "سبيل الهدي". الكتاب ينقسم إلي فصول "التوحيد، الفقه، الحديث، السنة.." بأساليب مبسطة تصلح للأطفال في سن العاشرة فما فوق.
الكتاب كان يحوي تأصيل لمنهج السلف في الطفل، فداخله جرعة مكثفة للمصطلحات المؤسسة لمنهج أهل السنة "الفارق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، الفارق بين المسلم والكافر والنصراني، الحديث الصحيح.."، وجرعة مكثفة أيضا لتعميق أهمية أعلام التيار السلفي الوهابي السعودي، فالكتاب به مئات الاستشهادات للشيخين بن العثيمين وبن باز والتأكيد المتكرر علي المكانة المميزة لابن تيمية "شيخ الإسلام".
في ذات الوقت، يتعلم الطفل أن الغناء والموسيقي حرام، وأن مشاهدة المسلسلات طريق مضمون إلي جهنم، وأن كل أفعالهم عليها أن تدور حول طاعة الله. اللهو ولعب الكرة،علي سبيل المثال، ليست مجرد لعبة هدفها التسلية واللهو، بل هي وسيله هدفها الترويح عن النفس للاستعانة علي مشاق الحياة والعبادة، وطريقة لتقوية الجسد لأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. يتدرج الطفل من كتاب "سبيل الهدي" إلي دروس النحو واللغة التي تؤهله بعدها لدروس التجويد وحفظ القرآن والتنافس مع أقرانه علي سرعة الحفظ وجودة الأداء.
المسجد السلفية الصغيرة في الأحياء الفقيرة والشعبية لم تكن مجرد مكان للصلاة أو الدروس الدينية، بل وفرت الاحتياجات الاجتماعية الكاملة لزائريها. المسجد مفتوح طوال النهار، يلقاك داخله رجال مبتسمين ينادونك "أخ فلان" فور معرفتهم باسمك. يسمح داخل المسجد بالحديث والسمر والمزاح الخافت المناسب للمكان بعكس المساجد الأخري التي تشدد علي أهمية السكون التام وتنشر جوا مضادا للتواصل بشكل عام. المسجد مكان لتنظيم دورات كرة القدم لشباب وأطفال الحي، ومكان مفتوح للمذاكرة الجماعية في جو هادئ للأطفال أيام الامتحانات، وربما لعب الاستغماية واللهو حين يكون المسجد خاليا. لا يمر أسبوع دون عقيقة لحم دسمة احتفالا بزواج أحد الأخوة. ولأن الأخوة ملتزمين لا يختلطون بالنساء، فكان المسجد مكانا مثاليا للتعرف علي شباب المنطقة وطلب النسب بنساء عائلاتهم المنتقبات الملتزمات من أعضاء الدعوة أو بنات التيار بشكل عام.
باختصار صار المسجد هو محور حياة عائلة أفراد الدعوة وهو ما كفل للدعوة الاستمرار، فهي ليست مجرد حركة سياسية من الممكن أن تنفرط، بل أسلوب حياة مدعوم بالإيمان القوي والروابط الأسرية. هذه الروابط كان لها دور شديد الأهمية في الحفاظ علي كيان الدعوة وتماسكه ثم ظهورة في الشكل المنظم الذي ظهرت به منذ اندلاع الثورة. موقف الدعوة من 25 يناير ودورها أثناءها وبعدها نبدأ الحديث عنه الحلقة القادمة بإذن الله