أعد عبدالخالق فاروق، الخبير فى الشئون الاقتصادية والإدارة الحكومية، دراسة موسعة عن قانون «الخدمة المدنية الجديد» رقم (18) لسنة 2015، يفند فيها كافة جوانب القانون وفسلفة إصداره والظروف المحيطة به، والتوجهات التى سيطرت على أعضاء اللجنة التى صاغت القانون.
أولاً: فلسفة القانون والظروف المحيطة بإصداره
1- يغلب عليه الانتقاص من حقوق كاسبى الأجور والمرتبات من الموظفين الخاضعين لأحكامه وخصوصاً شاغلى أدنى الدرجات الوظيفية.
2- تغليب كفة صاحب العمل الذى هو هنا الحكومة، فى إخلال يكاد يكون واضحاً بين الطرفين.
3- صدر فى ظل بيئة ومناخ الحرب ضد الإرهاب، والحرب ضد تنظيم الإخوان بكل تشعباته وتغلغله فى الإدارات الحكومية، ومن هنا يمكن تفسير الكثير من النصوص التى تستسهل فكرة إنهاء العلاقة الوظيفية، والإحالة للتقاعد أو نقل العاملين وخصوصاً فى الوظائف القيادية والعليا فى الجهاز الإدارى للدولة.
4- كما هيمنت على القانون فكرة «شيطانية» سادت طوال العشرين عاماً الماضية، وهى استجلاب قيادات من خارج الهيئة الوظيفية فى كل المواقع تحت مسمى «الخبرات النادرة» التى كانت محاولة لتحزيب الوظيفة العامة والهيمنة على كافة مفاصل الأجهزة الإدارية والمصرفية والاقتصادية والشركات العامة والشركات القابضة.
ثانياً: فى الأحكام العامة والوظائف والعلاقة الوظيفية
حيث تضمن القانون مجموعة من المبادئ والأفكار الجديدة، لعل من أهمها:
1- دمج المرتب الأساسى مع العلاوات الخاصة التى تقررت منذ عام 1987 فيما يسمى «الأجر الوظيفى» تبسيطاً لجدول الأجور والمرتبات، ولكن القانون جاء بتعبير جديد تحت مسمى «الأجر المكمل» ويقصد به عناصر الأجور المتغيرة الأخرى التى تكاد تشكل نحو 60% على الأقل من الدخل الوظيفى (مثل المكافآت الدورية والحوافز والأجور الإضافية) وبهذا فإن القانون الجديد لم يعالج جوهر الخلل فى النظام الأجرى بالوظائف الحكومية، ولا نبالغ إذا قلنا إنه قد أضاف إلى الغموض مزيداً من الغموض (العلاوات المضمومة وغير المضمومة). وسيظل التفاوت الكبير قائماً فى الأجور المتغيرة أو الأجر المكمل بين الأجهزة الحكومية المختلفة (رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، وزارة المالية، وزارة التخطيط، الجهاز المركزى للمحاسبات وغيرها) والأجر المكمل لدى المحليات التى يعمل فيها نحو 60% من الموظفين الحكوميين.
2- احتساب العلاوات الدورية (بنسبة 5% من الأجر الوظيفى) أو علاوات الترقية (2.5% من الأجر الوظيفى أو علاوة التميز 2.5%)، عموماً فعل القائمون على هذا القانون خيراً حينما أخذوا بالمبدأ الذى طالما طالبنا به فى مؤلفاتنا حول النسب وليس المبلغ القطعى المتواضع.
3- إنشاء ما يسمى «مجلس الخدمة المدنية «بصورته الجديدة يجعل الوزير المختص مهيمناً عليه بصورة كاملة، فيفقده استقلاليته فى إدارة شئون الخدمة المدنية، عكس التجارب الناجحة فى دول مثل اليابان التى يستقل فيها جهاز الأفراد القومى National Personnel Authority بشئون الخدمة المدنية تماماً بعيداً عن هيمنة وزير فى الحكومة.
4- نصت المادة (4) على إنشاء لجنة مختصة للموارد البشرية فى كل وحدة إدارية سواء كانت وزارة أو هيئة أو غيرها، تضم فى عضويتها أحد المتخصصين من داخل أو خارج الوحدة، وهى ثغرة أخرى لتعيين بعض من يراهم ويرشحهم صاحب السلطة المختصة وهى أيضاً وسيلة التفافية للوساطة والمحسوبية والشللية.
5- أنهت المادة (9) بصورة كبيرة دور الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى وضع الهياكل التنظيمية للوحدات الإدارية الحكومية بحيث أصبحت كل وحدة تتولى وضع هيكلها التنظيمى والوظيفى، ويصبح للجهاز دور شكلى فى اعتماد تلك الهياكل مما سيزيد الفوضى الإدارية القائمة فى هيكل وبنية الإدارة الحكومية الراهنة.
6- المادة (10) أنشأت لأول مرة وظيفة ما يسمى «الوكيل الدائم للوزارة»، اقتباساً من النظام الأنجلو - سكسونى، يختاره الوزير لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد.
إنشاء «مجلس الخدمة المدنية» بصورته الجديدة يجعل الوزير المختص مهيمناً عليه ويفقده استقلاليته
7- المادة (13) أسقطت شرط الإعلان بالصحف عن الوظائف الشاغرة بالوحدات الحكومية وقصرتها فقط على البوابة الإلكترونية للحكومة.
8- العودة مرة أخرى إلى الآفة التى لازمت قوانين الوظيفة العامة لثورة يوليو فى سنواتها الأولى (القانون رقم 111 لسنة 1960 والقانون رقم 46 لسنة 1964 والقانون رقم 58 لسنة 1971)، ونصت على محورية سلطة رئيس الجمهورية فى التعيينات والترقيات لشاغلى الوظائف العليا والقيادية فى الجهاز الإدارى للدولة، ما يمثل عبئاً على الرئيس من ناحية، ويصبغ شغل هذه الوظائف بالطابع السياسى والأمنى.
وكذلك ما نصت عليه المادة (41) من سلطة الرئيس للاحتفاظ لبعض الأشخاص بوظيفة أخرى بالأجر الوظيفى والمكمل أو بعضه الذى كان يتقاضاه قبل التعيين بهذه الوظيفة، وغالباً هى مخصصة للقادة العسكريين الذين يكلفون بوظائف أخرى غير تلك التى كانوا يشغلونها بالقوات المسلحة أو المخابرات العامة أو المخابرات الحربية.
9- المادة (11) دمجت بين مجموعتين نوعيتين وظيفيتين فى مجموعة واحدة وهى «مجموعة الوظائف الحرفية والخدمات المعاونة». وهما مجموعتان مختلفتان من حيث الواجبات والمسئوليات الوظيفية.استحدث القانون اختصاصاً لرئيس الوزراء بحجز وظائف لمصابى العمليات الحربية والأمنية والمحاربين القدماء دون رقابة على سلامة التنفيذ
10- استحدث القانون (مادة 14) اختصاصاً لرئيس الوزراء بحجز وظائف للمصابين فى العمليات الحربية والمحاربين القدماء ومصابى العمليات الأمنية وذوى الإعاقة والأقزام، وهى وإن كانت مقبولة ومبررة، إلا أن التجارب السابقة تثير القلق بشأن إمكانية استخدامها بصورة خاطئة، خاصة أنه ليست هناك آلية فى القانون أو اللائحة التنفيذية للرقابة على سلامة تنفيذ هذه المادة ومضمونها. ووسعت المادة (15) من إطارها أكثر بجواز تعيين أزواج الفئات المنصوص عليها أو أحد أولادهم، أو أحد إخوتهم.
- كما كشف نص المادة (14) عن جوهر المدركات السياسية والتحيزات المعادية لثورة 25 يناير لدى أعضاء اللجنة الذين صاغوا هذا القانون، حيث أسقطوا مصابى ثورة يناير عام 2011 من حقهم فى الوظائف الحكومية، كما أسقطوا حق أسر شهداء هذه الثورة العظيمة فى التعيين فى الوظائف، واستحوذوا عليها فقط لأسر شهداء العمليات الأمنية.
المادة (14) كشفت عن التحيزات المعادية لثورة 25 يناير لدى أعضاء اللجنة الذين صاغوا القانون وأسقطوا حق مصابى الثورة وأسرهم فى التعيين بالوظائف الحكومية
11- أما المادة (18) فقد قننت جرثومة ما يسمى «الخبرات النادرة»، أو ما نفضل أن نطلق عليه «النوادر» الذين عانت منهم الإدارة الحكومية المصرية طوال العشرين سنة الأخيرة من حكم مبارك، فهى كلمة حق أريد بها باطل، ولم تكن فى الحقيقة سوى وسيلة للالتفاف على قانون العاملين رقم (47) لسنة 1978 وجدول الوظائف المرفق به، فلم تفلح قرارات أحمد نظيف أرقام (1732) لسنة 2004 و(2552) لسنة 2009 بإنشاء وظائف مستحدثة أطلق عليها مرة معاونى الوزراء ورؤساء وأعضاء مكاتبهم، وسماها مرة أخرى «مدير تنفيذى للمعلومات بالوزارات والمحافظات»، التفافاً على قانون العاملين وبأجور ومرتبات خيالية، ومن أجل تعيين رجال ونساء لجنة السياسات بالحزب الوطنى أو أبنائهم.
12- أما المادة (19) فقد نصت على أن التعيين فى الوظائف العليا لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، على عكس مدة التعيين فى مجلس الخدمة المدنية التى تركت بلا سقف زمنى، كما أن التجربة السابقة تؤكد أن فرص التلاعب بهذا المبدأ ممكنة فى المستقبل.
13- وقد جاءت المادة (20) لتكمل ما بدأته المادة السابقة تفسيراً وتوضيحاً، حيث نصت على أنه فى حال انتهاء المدة الزمنية لشغل الوظيفة القيادية لمرتين (أى 6 سنوات) فينقل الموظف إلى وظيفة أخرى قد تكون قيادية فى مستوى مماثل (مدير عام أو وكيل وزارة أو وكيل أول)، وهنا لا يتغير الأمر، أما إذا نقل إلى وظيفة غير قيادية مثل مستشار (ب) أو مستشار (أ) فقد فتحت له المادة باب طلب إنهاء خدمته، وبالتالى فتحت باب المعاش المبكر لشاغلى هذه الوظائف. مع استثناء وارد فى المادة (21) فى بعض الوظائف التى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، وهى وسيلة التفافية أخرى للمحسوبية والتلاعب بالوظائف وفقاً للأهواء السياسية أو الشخصية.
14- حرمت المادة (23) الموظفين الذين يحصلون على مؤهل أعلى أثناء الخدمة من مكسب تحقق لهم فى السنوات السابقة، وهو إمكانية تسوية حالاتهم الوظيفية، فجاء النص الجديد خالياً من هذا المكسب.
15- أما المادة (24) فقد كانت من حيث الشكل جديدة، حيث نصت على عدم جواز أن يعمل موظف تحت الرئاسة المباشرة لأحد أقاربه من الدرجة الأولى فى نفس الوحدة، لكنها من حيث المضمون يمكن التلاعب بها، فالمجموعات المترابطة داخل البنية الإدارية الحكومية تستطيع أن تلتف حول هذه المادة ببساطة ودون عناء من خلال تبادل المصالح والمنافع.
16- أما فى تقييم أداء الموظفين، فقد جاءت المادة (25) بأحكام جديدة، زادت من الارتباك درجة، ولم تحل المشكلة الجوهرية المتمثلة فى (الجميع امتياز).
17- أما المادة (26) فهى تمثل انتهاكاً صارخاً لحق الموظف فى التظلم وفى التقاضى، حيث منحت السلطة المختصة أو لجنة التظلمات قراراً نهائياً، وجعلت عدم البت فى التظلم خلال فترة 60 يوماً بمثابة رفض له، بما يضيق من فرص الموظف فى اللجوء إلى القضاء الإدارى.
18- ولعل من أسوأ ما جاء به القانون الجديد جدول الوظائف، حيث أعاد القانون تقسيم الوظائف الحكومية إلى ما كان عليه الوضع فى عام 1951 وفقاً للقانون رقم (210) لسنة 1951، بتقسيم الجدول الوظيفى إلى طابور طويل، والهدف بالطبع إطالة أمد بقاء الموظف فى الدرجة الوظيفية أو المالية لأطول فترة ممكنة.
- ووفقاً للتقسيم الجديد للقانون الآن، فقد قسمت هذه الدرجة إلى 3 مستويات هى (الثالثة ج - والثالثة ب - والثالثة أ)، وتقرر 3 سنوات للانتقال بين كل مستوى منها، أى زاد المجموع إلى 9 سنوات وليس 8 سنوات، وكل من لديه خبرة فى العمل الإدارى المصرى يعلم أن هذا التحايل القصد منه إطالة - شبة مقننة ورسمية هذه المرة - لبقاء الموظف أطول فترة فى هذه الدرجات الدنيا، ونفس الشىء بالنسبة للدرجة الثانية والدرجة الأولى مع بقاء الفترات البينية للترقى إلى الوظائف القيادية (من مدير عام حتى الممتازة) كما كانت فى القانون رقم (47) لسنة 1978.
مشكلات قانون الخدمة المدنية الجديد فى الترقية والنقل والندب والإعارة والحلول
1- ما نصت عليه المادة (29) من ترك أمور حيوية مثل ضوابط ومعايير الترقية للائحة التنفيذية للقانون، ما يفتح الباب واسعاً لهيمنة الحكومة والسلطة المختصة، وهو ما سنراه فى استسهال نقل وفصل وإبعاد القيادات الإدارية التى قد لا تتناسب مع السياسات العامة أو التوجيهات العامة الحكومية المسكونة بالحرب ضد الإرهاب.
2- أما المادة (31) فقد منحت السلطة المختصة - التى تبدأ عادة من رئيس الهيئة أو المصلحة أو الوزير وما فوقه - سلطة نقل الموظف من وحدته إلى وحدة أخرى دون أن تضع أى ضوابط لهذه السلطة التى قد تستخدم فى العسف ببعض العاملين أو النقابيين أو غيرهم، وحصرت سلطة نقل شاغلى الوظائف العليا فى يد رئيس الوزراء وهى أيضاً نصوص جديدة لم تكن واردة فى قانون العاملين السابق.
3- فى حال غياب شاغل وظيفة عليا منحت المادة (33) للسلطة المختصة صلاحية عدم التقيد بالأقدمية فى ندب من يشغلها وسمحت لهذه السلطة بأن تأتى بمن يحل محله.
4- وقد نصت المادة (30) على مبدأ جديد إذ جاء فيها أن الموظف المرقى سوف يحصل على الأجر الوظيفى المقرر للوظيفة الجديدة، أو أجره السابق مضافاً إليه علاوة الترقية على أساس «نسبة 2.5% من هذا الأجر الوظيفى»، وإن كان القانون ولا اللائحة التنفيذية تحدد هل هذا الأجر الوظيفى يمثل المرتب الأساسى مضافاً إليه كل العلاوات الخاصة المضمومة فقط أو تلك المضمومة وغير المضمومة حيث يكون الفارق نحو 100% من قيمة المرتب الأساسى فى 30/6/2015.
5- أدخل القانون الجديد لأول مرة مبدأ المعاش المبكر (50 سنة فأكثر) للموظف فى الجهاز الإدارى للدولة (م 67)، وهو شديد الضرر، واستمرار هذا النهج ضار جداً بفكرة الحق فى العمل، ووضع العاملين باستمرار تحت الإحساس بعدم الأهمية هو شعور يؤدى إلى خلق بيئة عمل غير إيجابية على الإطلاق. وفى الوقت نفسه جاءت بالمادة (66) التى نصت على إمكانية مد الخدمة لمن بلغوا سن 60 لمدة أقصاها 3 سنوات بموافقة رئيس الجمهورية.
6- أما فى مجال الأجر الوظيفى فإن المادة (35) أحالت إلى الجداول الثلاثة المرفقة بالقانون بما يمثل ارتباكاً ومحاولة للتهرب الحكومى من فكرة تطبيق الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع العناصر الثلاثة التى على أساسها توضع الأوزان النسبية لأجر الوظيفة وهى: التأهيل العلمى والخبرة العملية والأقدمية.
7- أحسن القانون فعلاً فى نص المادة (36) حينما حدد العلاوة الدورية السنوية للموظف بنسبة 5% من الأجر الوظيفى بدلاً من الوضع القديم الذى كانت تحدد فيه العلاوة الدورية بمبلغ مالى متدنٍّ للغاية يبدأ من 2.5 جنيه شهرياً ويصل فى أقصاها إلى 7 جنيهات.
8- كما أحسن بتحديد نسبة العلاوة التشجيعية للموظف بنسبة 2.5% من أجره الوظيفى (م 37)، وإن كنا نفضل أن تزيد هذه النسبة إلى 5% على الأقل.
9- كما لم يأت ذكر فى القانون لعلاوة غلاء المعيشة أو علاوة التضخم وارتفاع الأسعار أسوة بما هو قائم فى النظم الأجرية الحديثة فى كثير من الدول المتحضرة.
10- كما جاء نص المادة (38) على منح علاوة للموظف الذى يحصل على مؤهل أعلى أثناء الخدمة بنسبة (2.5% من الأجر الوظيفى)، وحصرتها فى المؤهلات فوق الجامعية. وإن كنا نفضل ألا تقتصر على المؤهلات فوق الجامعية فقط، وكذلك أن تزيد النسبة إلى 5% على الأقل تشجيعاً للعاملين على تحسين مستواهم العلمى والمعرفى.
11- ثم جاءت المادة (40) بنفس الآفة القديمة ووسائل الالتفاف البيروقراطية المعهودة طوال ثلاثين عاماً، حيث نصت على إمكانية أن يقوم الوزير المختص بعرض نظام للحوافز والأجور الإضافية والمكافآت التشجيعية على رئيس الوزراء - بعد موافقة وزير المالية - وهنا تأتى ثغرة إبليس التى من شأنها إعادة الكرة مرة أخرى واستمرار سيرك الأجور والمرتبات فى أجهزة الحكومة ووحداتها قائماً.
12- تركت المادة (71) الفوضى المالية لسيرك الأجور والمرتبات الراهن على ما هو عليه لحين إعادة تنظيمها بالتنسيق مع وزارة المالية فى حدود الاعتمادات المالية لكل وحدة إدارية، وهى ثغرة خطيرة سوف تؤدى لا محالة إلى تخبط مالى وإدارى مربك ومحير.
13- منحت المادة (41) لرئيس الجمهورية سلطة إضافية تندرج فى باب المحسوبية والعلاقات الشخصية.
14- أما المادة (42) التى بدأت بتشجيع البحث العلمى والوعى التكنولوجى للعاملين بالحكومة ووحداتها فإنها انتهت بما هو أخطر، وهو جواز إنشاء صناديق خاصة وحسابات خاصة فى تلك الوحدات تتكون مواردها من حصيلة استغلال حق هذه الاختراعات والمصنفات، ويكون الصرف منها طبقاً للائحة المالية التى تضعها السلطة المختصة فى تلك الوحدة.
الإجازات
1- من الإضافات الجديدة والجيدة ما نصت عليه المادة (46) من أحقية الموظف من ذوى الإعاقة فى إجازة اعتيادية سنوية مدتها 45 يوماً دون التقيد بعدد سنوات الخدمة، خروجاً على القواعد المعمول بها للفئات الوظيفية وفقاً لفترات الخدمة، وكذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (49) من حق الموظفة فى إجازة وضع لمدة أربعة شهور بحد أقصى ثلاث مرات طوال مدة عملها بالخدمة المدنية بدلاً من ثلاثة شهور التى كان معمولاً بها فى القوانين السابقة، فيما عدا ذلك فإن القانون قد جاء منتقصاً من حقوق العاملين فى بعض المجالات.
2- المادة (47) وتخلصاً من عبء البدل الخاص برصيد الإجازات المجمع للمحالين إلى التقاعد، الذى كان محل نزاع قانونى وحمّل الحكومة والموازنة العامة بأعباء مالية، جاء نص المادة ليمنع تماماً حق الموظف أو الوحدة الإدارية بترحيل إجازات الموظف إلا لأسباب تتعلق بمصلحة العمل.
3- بالنسبة للإجازات المرضية بأجر، فوفقاً للمادة (48) جرى التقييد فيها حيث نصت على:
- أجر وظيفى كامل فى الثلاثة أشهر الأولى.
- ثم 75% من الأجر الوظيفى فى الثلاثة أشهر التالية.
- و50% من الأجر فى الستة أشهر التالية (ترفع إلى 75% لمن يجاوز عمره الخمسين).
4- أما فى السلوك الوظيفى والتأديب فقد أضافت المادة (54) مفاهيم ومصطلحات مطاطة وضارة، مثل أن يلتزم العاملون بمدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص، مع التشديد طبعاً على حظر العمل السياسى داخل مقار العمل، وهذا مفهوم، أو جمع تبرعات أو مساهمات لصالح أحزاب سياسية.
5- توسعت المادة (57) فى سلطات النيابة الإدارية فى التحقيق وتوقيع الجزاءات استجابة لمطالب هذه الهيئة (القضائية).
6- تشددت المادة (58) فى الجزاءات التى توقع على الموظف فبدأت بالإنذار وانتهت سريعاً إلى الإحالة إلى المعاش ثم الفصل من الخدمة، أما شاغلو الوظائف العليا فقد بدأت بالتنبيه ثم اللوم وانتقلت فوراً إلى الإحالة للمعاش ثم الفصل من الخدمة.
7- أضافت المادة (60) من القانون مبدأ جديداً وخطيراً ألا وهو وقف العامل احتياطياً من جانب السلطة المختصة لمدة ثلاثة شهور إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، والصحيح أن تظل هذه الصلاحية فى يد النيابة أو الجهة القضائية التى تمارس التحقيق مع الموظف، حتى لا تتحول إلى أداة عسف وتصفية حسابات فى يد الوزير أو السلطة المختصة، ولأن الإيقاف عن العمل بمثابة عقوبة فعلية قبل أن ينتهى التحقيق، وكل من مارس العمل النقابى والعمل العام فى العهود السابقة يعلم تماماً خطورة هذا المبدأ. وهذه أداة قاسية فى يد السلطة المختصة بكل ما تتميز به عادة فى مصر من تعسف فى استخدام السلطة خاصة فى وجه معارضيها.
8- ويفسر هذا العنف البادى فى صلاحيات السلطة المختصة فى وقف العامل احتياطياً لمدة ثلاثة شهور النص الوارد فى المادة (63) بعدم جواز ترقية الموظف الموقوف عن العمل، ويصبح الموظف المعارض للسلطة المختصة ألعوبة فى يد هذه السلطة بإمكانية تجاوزه فى الترقية من خلال إيقافه عن العمل احتياطياً وقبل حركة الترقيات المستحقة.
9- وتضم المادة (64) أحكاماً تحاول أن تحارب الفساد الصغير الذى يقع من موظف أياً كان مستواه حتى وكيل أول وزارة، أما المتعلق منها بالوزراء ومَن هم أعلى، فلا يوجد حتى الآن أى نص يعالج جرائمهم، بل على العكس، يطالب البعض علناً بنسف حمامك القديم، وأن يوقعوا وألا يخافوا.
10- أما المادة (65) فقد قررت إسقاط الدعوى التأديبية بالنسبة للموظف بمضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة، وهى مدة قصيرة حتى لو تعلل البعض ببساطة تلك المخالفات.
11- وفى انتهاء الخدمة، جاءت بالأحكام المعتادة فى هذه الحالات، ولكن الفقرة الثانية من المادة (66) منحت لرئيس الجمهورية رخصة مد خدمة شاغلى الوظائف العليا لمدة 3 سنوات، دون سقف، لتتكرر مرة أخرى تجربة الرئيس الأسبق، وتغلق الوظائف العليا أو جزءًا مؤثراً منها على الحلقة الضيقة للنظام والحكم وشخصياته العليا.
12- أما المادة (67) فقد جاءت بسابقة غير معهودة فى تاريخ الوظيفة العامة فى مصر، وهى جواز الإحالة للمعاش المبكر بعد سن الخمسين بطلب الموظف، لتتكرر التجربة المؤلمة لشركات القطاع العام، والتى أضافت للبطالة رافداً جديداً فى البلاد. وتسهيلاً لذلك كرغبة ملحة من جانب الحكومة الحالية فى التخلص من عدد كبير من الموظفين منحت الفقرة الثانية من المادة هؤلاء اشتراكه الكامل فى التأمينات الاجتماعية أو خمس سنوات أيهما أقل.
13- أما الأحكام الانتقالية التى تشملها المواد من (68) حتى (72)، فأهم ما جاء فيها هو إلغاء وظيفة (كبير باحثين/ كبير إخصائيين/ كبير كتاب) والذين يعادلون درجة مدير عام من الجدول الوظيفى، على أن يحتفظ أصحابها بوظائفهم بصفة شخصية لحين انتهاء مدة شغلهم لها أو بلوغ سن التقاعد (م 69)، علماً بأن هؤلاء يقاربون 800 ألف إلى مليون موظف فى الوقت الحالى.
14- كما احتفظ أصحاب اللوائح الخاصة والكادر الخاص بوظائفهم (مثل كادر الشرطة - والمخابرات - والقضاء - الكادر الجامعى والسلكين الدبلوماسى والقنصلى)، لم يقترب منهم أحد وكذا بجدولهم المالى ونظم الحوافز والمكافآت والجهود غير العادية والأعمال الإضافية (م 71) بعد تحويلها من نسب مئوية - كالعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها - إلى مبالغ مقطوعة وفقاً لما كان قائماً فى 30/6/2015.
15- كما نصت المادة (72) على تحديث الوحدات الإدارية المخاطَبة بأحكام هذا القانون هياكلها التنظيمية، بكل ما يحمله ذلك من سيرك سوف ينصَب فى الشهور القليلة المقبلة.
أولاً: فلسفة القانون والظروف المحيطة بإصداره
1- يغلب عليه الانتقاص من حقوق كاسبى الأجور والمرتبات من الموظفين الخاضعين لأحكامه وخصوصاً شاغلى أدنى الدرجات الوظيفية.
2- تغليب كفة صاحب العمل الذى هو هنا الحكومة، فى إخلال يكاد يكون واضحاً بين الطرفين.
3- صدر فى ظل بيئة ومناخ الحرب ضد الإرهاب، والحرب ضد تنظيم الإخوان بكل تشعباته وتغلغله فى الإدارات الحكومية، ومن هنا يمكن تفسير الكثير من النصوص التى تستسهل فكرة إنهاء العلاقة الوظيفية، والإحالة للتقاعد أو نقل العاملين وخصوصاً فى الوظائف القيادية والعليا فى الجهاز الإدارى للدولة.
4- كما هيمنت على القانون فكرة «شيطانية» سادت طوال العشرين عاماً الماضية، وهى استجلاب قيادات من خارج الهيئة الوظيفية فى كل المواقع تحت مسمى «الخبرات النادرة» التى كانت محاولة لتحزيب الوظيفة العامة والهيمنة على كافة مفاصل الأجهزة الإدارية والمصرفية والاقتصادية والشركات العامة والشركات القابضة.
ثانياً: فى الأحكام العامة والوظائف والعلاقة الوظيفية
حيث تضمن القانون مجموعة من المبادئ والأفكار الجديدة، لعل من أهمها:
1- دمج المرتب الأساسى مع العلاوات الخاصة التى تقررت منذ عام 1987 فيما يسمى «الأجر الوظيفى» تبسيطاً لجدول الأجور والمرتبات، ولكن القانون جاء بتعبير جديد تحت مسمى «الأجر المكمل» ويقصد به عناصر الأجور المتغيرة الأخرى التى تكاد تشكل نحو 60% على الأقل من الدخل الوظيفى (مثل المكافآت الدورية والحوافز والأجور الإضافية) وبهذا فإن القانون الجديد لم يعالج جوهر الخلل فى النظام الأجرى بالوظائف الحكومية، ولا نبالغ إذا قلنا إنه قد أضاف إلى الغموض مزيداً من الغموض (العلاوات المضمومة وغير المضمومة). وسيظل التفاوت الكبير قائماً فى الأجور المتغيرة أو الأجر المكمل بين الأجهزة الحكومية المختلفة (رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، وزارة المالية، وزارة التخطيط، الجهاز المركزى للمحاسبات وغيرها) والأجر المكمل لدى المحليات التى يعمل فيها نحو 60% من الموظفين الحكوميين.
2- احتساب العلاوات الدورية (بنسبة 5% من الأجر الوظيفى) أو علاوات الترقية (2.5% من الأجر الوظيفى أو علاوة التميز 2.5%)، عموماً فعل القائمون على هذا القانون خيراً حينما أخذوا بالمبدأ الذى طالما طالبنا به فى مؤلفاتنا حول النسب وليس المبلغ القطعى المتواضع.
3- إنشاء ما يسمى «مجلس الخدمة المدنية «بصورته الجديدة يجعل الوزير المختص مهيمناً عليه بصورة كاملة، فيفقده استقلاليته فى إدارة شئون الخدمة المدنية، عكس التجارب الناجحة فى دول مثل اليابان التى يستقل فيها جهاز الأفراد القومى National Personnel Authority بشئون الخدمة المدنية تماماً بعيداً عن هيمنة وزير فى الحكومة.
4- نصت المادة (4) على إنشاء لجنة مختصة للموارد البشرية فى كل وحدة إدارية سواء كانت وزارة أو هيئة أو غيرها، تضم فى عضويتها أحد المتخصصين من داخل أو خارج الوحدة، وهى ثغرة أخرى لتعيين بعض من يراهم ويرشحهم صاحب السلطة المختصة وهى أيضاً وسيلة التفافية للوساطة والمحسوبية والشللية.
5- أنهت المادة (9) بصورة كبيرة دور الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى وضع الهياكل التنظيمية للوحدات الإدارية الحكومية بحيث أصبحت كل وحدة تتولى وضع هيكلها التنظيمى والوظيفى، ويصبح للجهاز دور شكلى فى اعتماد تلك الهياكل مما سيزيد الفوضى الإدارية القائمة فى هيكل وبنية الإدارة الحكومية الراهنة.
6- المادة (10) أنشأت لأول مرة وظيفة ما يسمى «الوكيل الدائم للوزارة»، اقتباساً من النظام الأنجلو - سكسونى، يختاره الوزير لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد.
إنشاء «مجلس الخدمة المدنية» بصورته الجديدة يجعل الوزير المختص مهيمناً عليه ويفقده استقلاليته
7- المادة (13) أسقطت شرط الإعلان بالصحف عن الوظائف الشاغرة بالوحدات الحكومية وقصرتها فقط على البوابة الإلكترونية للحكومة.
8- العودة مرة أخرى إلى الآفة التى لازمت قوانين الوظيفة العامة لثورة يوليو فى سنواتها الأولى (القانون رقم 111 لسنة 1960 والقانون رقم 46 لسنة 1964 والقانون رقم 58 لسنة 1971)، ونصت على محورية سلطة رئيس الجمهورية فى التعيينات والترقيات لشاغلى الوظائف العليا والقيادية فى الجهاز الإدارى للدولة، ما يمثل عبئاً على الرئيس من ناحية، ويصبغ شغل هذه الوظائف بالطابع السياسى والأمنى.
وكذلك ما نصت عليه المادة (41) من سلطة الرئيس للاحتفاظ لبعض الأشخاص بوظيفة أخرى بالأجر الوظيفى والمكمل أو بعضه الذى كان يتقاضاه قبل التعيين بهذه الوظيفة، وغالباً هى مخصصة للقادة العسكريين الذين يكلفون بوظائف أخرى غير تلك التى كانوا يشغلونها بالقوات المسلحة أو المخابرات العامة أو المخابرات الحربية.
9- المادة (11) دمجت بين مجموعتين نوعيتين وظيفيتين فى مجموعة واحدة وهى «مجموعة الوظائف الحرفية والخدمات المعاونة». وهما مجموعتان مختلفتان من حيث الواجبات والمسئوليات الوظيفية.استحدث القانون اختصاصاً لرئيس الوزراء بحجز وظائف لمصابى العمليات الحربية والأمنية والمحاربين القدماء دون رقابة على سلامة التنفيذ
10- استحدث القانون (مادة 14) اختصاصاً لرئيس الوزراء بحجز وظائف للمصابين فى العمليات الحربية والمحاربين القدماء ومصابى العمليات الأمنية وذوى الإعاقة والأقزام، وهى وإن كانت مقبولة ومبررة، إلا أن التجارب السابقة تثير القلق بشأن إمكانية استخدامها بصورة خاطئة، خاصة أنه ليست هناك آلية فى القانون أو اللائحة التنفيذية للرقابة على سلامة تنفيذ هذه المادة ومضمونها. ووسعت المادة (15) من إطارها أكثر بجواز تعيين أزواج الفئات المنصوص عليها أو أحد أولادهم، أو أحد إخوتهم.
- كما كشف نص المادة (14) عن جوهر المدركات السياسية والتحيزات المعادية لثورة 25 يناير لدى أعضاء اللجنة الذين صاغوا هذا القانون، حيث أسقطوا مصابى ثورة يناير عام 2011 من حقهم فى الوظائف الحكومية، كما أسقطوا حق أسر شهداء هذه الثورة العظيمة فى التعيين فى الوظائف، واستحوذوا عليها فقط لأسر شهداء العمليات الأمنية.
المادة (14) كشفت عن التحيزات المعادية لثورة 25 يناير لدى أعضاء اللجنة الذين صاغوا القانون وأسقطوا حق مصابى الثورة وأسرهم فى التعيين بالوظائف الحكومية
11- أما المادة (18) فقد قننت جرثومة ما يسمى «الخبرات النادرة»، أو ما نفضل أن نطلق عليه «النوادر» الذين عانت منهم الإدارة الحكومية المصرية طوال العشرين سنة الأخيرة من حكم مبارك، فهى كلمة حق أريد بها باطل، ولم تكن فى الحقيقة سوى وسيلة للالتفاف على قانون العاملين رقم (47) لسنة 1978 وجدول الوظائف المرفق به، فلم تفلح قرارات أحمد نظيف أرقام (1732) لسنة 2004 و(2552) لسنة 2009 بإنشاء وظائف مستحدثة أطلق عليها مرة معاونى الوزراء ورؤساء وأعضاء مكاتبهم، وسماها مرة أخرى «مدير تنفيذى للمعلومات بالوزارات والمحافظات»، التفافاً على قانون العاملين وبأجور ومرتبات خيالية، ومن أجل تعيين رجال ونساء لجنة السياسات بالحزب الوطنى أو أبنائهم.
12- أما المادة (19) فقد نصت على أن التعيين فى الوظائف العليا لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، على عكس مدة التعيين فى مجلس الخدمة المدنية التى تركت بلا سقف زمنى، كما أن التجربة السابقة تؤكد أن فرص التلاعب بهذا المبدأ ممكنة فى المستقبل.
13- وقد جاءت المادة (20) لتكمل ما بدأته المادة السابقة تفسيراً وتوضيحاً، حيث نصت على أنه فى حال انتهاء المدة الزمنية لشغل الوظيفة القيادية لمرتين (أى 6 سنوات) فينقل الموظف إلى وظيفة أخرى قد تكون قيادية فى مستوى مماثل (مدير عام أو وكيل وزارة أو وكيل أول)، وهنا لا يتغير الأمر، أما إذا نقل إلى وظيفة غير قيادية مثل مستشار (ب) أو مستشار (أ) فقد فتحت له المادة باب طلب إنهاء خدمته، وبالتالى فتحت باب المعاش المبكر لشاغلى هذه الوظائف. مع استثناء وارد فى المادة (21) فى بعض الوظائف التى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، وهى وسيلة التفافية أخرى للمحسوبية والتلاعب بالوظائف وفقاً للأهواء السياسية أو الشخصية.
14- حرمت المادة (23) الموظفين الذين يحصلون على مؤهل أعلى أثناء الخدمة من مكسب تحقق لهم فى السنوات السابقة، وهو إمكانية تسوية حالاتهم الوظيفية، فجاء النص الجديد خالياً من هذا المكسب.
15- أما المادة (24) فقد كانت من حيث الشكل جديدة، حيث نصت على عدم جواز أن يعمل موظف تحت الرئاسة المباشرة لأحد أقاربه من الدرجة الأولى فى نفس الوحدة، لكنها من حيث المضمون يمكن التلاعب بها، فالمجموعات المترابطة داخل البنية الإدارية الحكومية تستطيع أن تلتف حول هذه المادة ببساطة ودون عناء من خلال تبادل المصالح والمنافع.
16- أما فى تقييم أداء الموظفين، فقد جاءت المادة (25) بأحكام جديدة، زادت من الارتباك درجة، ولم تحل المشكلة الجوهرية المتمثلة فى (الجميع امتياز).
17- أما المادة (26) فهى تمثل انتهاكاً صارخاً لحق الموظف فى التظلم وفى التقاضى، حيث منحت السلطة المختصة أو لجنة التظلمات قراراً نهائياً، وجعلت عدم البت فى التظلم خلال فترة 60 يوماً بمثابة رفض له، بما يضيق من فرص الموظف فى اللجوء إلى القضاء الإدارى.
18- ولعل من أسوأ ما جاء به القانون الجديد جدول الوظائف، حيث أعاد القانون تقسيم الوظائف الحكومية إلى ما كان عليه الوضع فى عام 1951 وفقاً للقانون رقم (210) لسنة 1951، بتقسيم الجدول الوظيفى إلى طابور طويل، والهدف بالطبع إطالة أمد بقاء الموظف فى الدرجة الوظيفية أو المالية لأطول فترة ممكنة.
- ووفقاً للتقسيم الجديد للقانون الآن، فقد قسمت هذه الدرجة إلى 3 مستويات هى (الثالثة ج - والثالثة ب - والثالثة أ)، وتقرر 3 سنوات للانتقال بين كل مستوى منها، أى زاد المجموع إلى 9 سنوات وليس 8 سنوات، وكل من لديه خبرة فى العمل الإدارى المصرى يعلم أن هذا التحايل القصد منه إطالة - شبة مقننة ورسمية هذه المرة - لبقاء الموظف أطول فترة فى هذه الدرجات الدنيا، ونفس الشىء بالنسبة للدرجة الثانية والدرجة الأولى مع بقاء الفترات البينية للترقى إلى الوظائف القيادية (من مدير عام حتى الممتازة) كما كانت فى القانون رقم (47) لسنة 1978.
مشكلات قانون الخدمة المدنية الجديد فى الترقية والنقل والندب والإعارة والحلول
1- ما نصت عليه المادة (29) من ترك أمور حيوية مثل ضوابط ومعايير الترقية للائحة التنفيذية للقانون، ما يفتح الباب واسعاً لهيمنة الحكومة والسلطة المختصة، وهو ما سنراه فى استسهال نقل وفصل وإبعاد القيادات الإدارية التى قد لا تتناسب مع السياسات العامة أو التوجيهات العامة الحكومية المسكونة بالحرب ضد الإرهاب.
2- أما المادة (31) فقد منحت السلطة المختصة - التى تبدأ عادة من رئيس الهيئة أو المصلحة أو الوزير وما فوقه - سلطة نقل الموظف من وحدته إلى وحدة أخرى دون أن تضع أى ضوابط لهذه السلطة التى قد تستخدم فى العسف ببعض العاملين أو النقابيين أو غيرهم، وحصرت سلطة نقل شاغلى الوظائف العليا فى يد رئيس الوزراء وهى أيضاً نصوص جديدة لم تكن واردة فى قانون العاملين السابق.
3- فى حال غياب شاغل وظيفة عليا منحت المادة (33) للسلطة المختصة صلاحية عدم التقيد بالأقدمية فى ندب من يشغلها وسمحت لهذه السلطة بأن تأتى بمن يحل محله.
4- وقد نصت المادة (30) على مبدأ جديد إذ جاء فيها أن الموظف المرقى سوف يحصل على الأجر الوظيفى المقرر للوظيفة الجديدة، أو أجره السابق مضافاً إليه علاوة الترقية على أساس «نسبة 2.5% من هذا الأجر الوظيفى»، وإن كان القانون ولا اللائحة التنفيذية تحدد هل هذا الأجر الوظيفى يمثل المرتب الأساسى مضافاً إليه كل العلاوات الخاصة المضمومة فقط أو تلك المضمومة وغير المضمومة حيث يكون الفارق نحو 100% من قيمة المرتب الأساسى فى 30/6/2015.
5- أدخل القانون الجديد لأول مرة مبدأ المعاش المبكر (50 سنة فأكثر) للموظف فى الجهاز الإدارى للدولة (م 67)، وهو شديد الضرر، واستمرار هذا النهج ضار جداً بفكرة الحق فى العمل، ووضع العاملين باستمرار تحت الإحساس بعدم الأهمية هو شعور يؤدى إلى خلق بيئة عمل غير إيجابية على الإطلاق. وفى الوقت نفسه جاءت بالمادة (66) التى نصت على إمكانية مد الخدمة لمن بلغوا سن 60 لمدة أقصاها 3 سنوات بموافقة رئيس الجمهورية.
6- أما فى مجال الأجر الوظيفى فإن المادة (35) أحالت إلى الجداول الثلاثة المرفقة بالقانون بما يمثل ارتباكاً ومحاولة للتهرب الحكومى من فكرة تطبيق الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع العناصر الثلاثة التى على أساسها توضع الأوزان النسبية لأجر الوظيفة وهى: التأهيل العلمى والخبرة العملية والأقدمية.
7- أحسن القانون فعلاً فى نص المادة (36) حينما حدد العلاوة الدورية السنوية للموظف بنسبة 5% من الأجر الوظيفى بدلاً من الوضع القديم الذى كانت تحدد فيه العلاوة الدورية بمبلغ مالى متدنٍّ للغاية يبدأ من 2.5 جنيه شهرياً ويصل فى أقصاها إلى 7 جنيهات.
8- كما أحسن بتحديد نسبة العلاوة التشجيعية للموظف بنسبة 2.5% من أجره الوظيفى (م 37)، وإن كنا نفضل أن تزيد هذه النسبة إلى 5% على الأقل.
9- كما لم يأت ذكر فى القانون لعلاوة غلاء المعيشة أو علاوة التضخم وارتفاع الأسعار أسوة بما هو قائم فى النظم الأجرية الحديثة فى كثير من الدول المتحضرة.
10- كما جاء نص المادة (38) على منح علاوة للموظف الذى يحصل على مؤهل أعلى أثناء الخدمة بنسبة (2.5% من الأجر الوظيفى)، وحصرتها فى المؤهلات فوق الجامعية. وإن كنا نفضل ألا تقتصر على المؤهلات فوق الجامعية فقط، وكذلك أن تزيد النسبة إلى 5% على الأقل تشجيعاً للعاملين على تحسين مستواهم العلمى والمعرفى.
11- ثم جاءت المادة (40) بنفس الآفة القديمة ووسائل الالتفاف البيروقراطية المعهودة طوال ثلاثين عاماً، حيث نصت على إمكانية أن يقوم الوزير المختص بعرض نظام للحوافز والأجور الإضافية والمكافآت التشجيعية على رئيس الوزراء - بعد موافقة وزير المالية - وهنا تأتى ثغرة إبليس التى من شأنها إعادة الكرة مرة أخرى واستمرار سيرك الأجور والمرتبات فى أجهزة الحكومة ووحداتها قائماً.
12- تركت المادة (71) الفوضى المالية لسيرك الأجور والمرتبات الراهن على ما هو عليه لحين إعادة تنظيمها بالتنسيق مع وزارة المالية فى حدود الاعتمادات المالية لكل وحدة إدارية، وهى ثغرة خطيرة سوف تؤدى لا محالة إلى تخبط مالى وإدارى مربك ومحير.
13- منحت المادة (41) لرئيس الجمهورية سلطة إضافية تندرج فى باب المحسوبية والعلاقات الشخصية.
14- أما المادة (42) التى بدأت بتشجيع البحث العلمى والوعى التكنولوجى للعاملين بالحكومة ووحداتها فإنها انتهت بما هو أخطر، وهو جواز إنشاء صناديق خاصة وحسابات خاصة فى تلك الوحدات تتكون مواردها من حصيلة استغلال حق هذه الاختراعات والمصنفات، ويكون الصرف منها طبقاً للائحة المالية التى تضعها السلطة المختصة فى تلك الوحدة.
الإجازات
1- من الإضافات الجديدة والجيدة ما نصت عليه المادة (46) من أحقية الموظف من ذوى الإعاقة فى إجازة اعتيادية سنوية مدتها 45 يوماً دون التقيد بعدد سنوات الخدمة، خروجاً على القواعد المعمول بها للفئات الوظيفية وفقاً لفترات الخدمة، وكذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (49) من حق الموظفة فى إجازة وضع لمدة أربعة شهور بحد أقصى ثلاث مرات طوال مدة عملها بالخدمة المدنية بدلاً من ثلاثة شهور التى كان معمولاً بها فى القوانين السابقة، فيما عدا ذلك فإن القانون قد جاء منتقصاً من حقوق العاملين فى بعض المجالات.
2- المادة (47) وتخلصاً من عبء البدل الخاص برصيد الإجازات المجمع للمحالين إلى التقاعد، الذى كان محل نزاع قانونى وحمّل الحكومة والموازنة العامة بأعباء مالية، جاء نص المادة ليمنع تماماً حق الموظف أو الوحدة الإدارية بترحيل إجازات الموظف إلا لأسباب تتعلق بمصلحة العمل.
3- بالنسبة للإجازات المرضية بأجر، فوفقاً للمادة (48) جرى التقييد فيها حيث نصت على:
- أجر وظيفى كامل فى الثلاثة أشهر الأولى.
- ثم 75% من الأجر الوظيفى فى الثلاثة أشهر التالية.
- و50% من الأجر فى الستة أشهر التالية (ترفع إلى 75% لمن يجاوز عمره الخمسين).
4- أما فى السلوك الوظيفى والتأديب فقد أضافت المادة (54) مفاهيم ومصطلحات مطاطة وضارة، مثل أن يلتزم العاملون بمدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص، مع التشديد طبعاً على حظر العمل السياسى داخل مقار العمل، وهذا مفهوم، أو جمع تبرعات أو مساهمات لصالح أحزاب سياسية.
5- توسعت المادة (57) فى سلطات النيابة الإدارية فى التحقيق وتوقيع الجزاءات استجابة لمطالب هذه الهيئة (القضائية).
6- تشددت المادة (58) فى الجزاءات التى توقع على الموظف فبدأت بالإنذار وانتهت سريعاً إلى الإحالة إلى المعاش ثم الفصل من الخدمة، أما شاغلو الوظائف العليا فقد بدأت بالتنبيه ثم اللوم وانتقلت فوراً إلى الإحالة للمعاش ثم الفصل من الخدمة.
7- أضافت المادة (60) من القانون مبدأ جديداً وخطيراً ألا وهو وقف العامل احتياطياً من جانب السلطة المختصة لمدة ثلاثة شهور إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، والصحيح أن تظل هذه الصلاحية فى يد النيابة أو الجهة القضائية التى تمارس التحقيق مع الموظف، حتى لا تتحول إلى أداة عسف وتصفية حسابات فى يد الوزير أو السلطة المختصة، ولأن الإيقاف عن العمل بمثابة عقوبة فعلية قبل أن ينتهى التحقيق، وكل من مارس العمل النقابى والعمل العام فى العهود السابقة يعلم تماماً خطورة هذا المبدأ. وهذه أداة قاسية فى يد السلطة المختصة بكل ما تتميز به عادة فى مصر من تعسف فى استخدام السلطة خاصة فى وجه معارضيها.
8- ويفسر هذا العنف البادى فى صلاحيات السلطة المختصة فى وقف العامل احتياطياً لمدة ثلاثة شهور النص الوارد فى المادة (63) بعدم جواز ترقية الموظف الموقوف عن العمل، ويصبح الموظف المعارض للسلطة المختصة ألعوبة فى يد هذه السلطة بإمكانية تجاوزه فى الترقية من خلال إيقافه عن العمل احتياطياً وقبل حركة الترقيات المستحقة.
9- وتضم المادة (64) أحكاماً تحاول أن تحارب الفساد الصغير الذى يقع من موظف أياً كان مستواه حتى وكيل أول وزارة، أما المتعلق منها بالوزراء ومَن هم أعلى، فلا يوجد حتى الآن أى نص يعالج جرائمهم، بل على العكس، يطالب البعض علناً بنسف حمامك القديم، وأن يوقعوا وألا يخافوا.
10- أما المادة (65) فقد قررت إسقاط الدعوى التأديبية بالنسبة للموظف بمضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة، وهى مدة قصيرة حتى لو تعلل البعض ببساطة تلك المخالفات.
11- وفى انتهاء الخدمة، جاءت بالأحكام المعتادة فى هذه الحالات، ولكن الفقرة الثانية من المادة (66) منحت لرئيس الجمهورية رخصة مد خدمة شاغلى الوظائف العليا لمدة 3 سنوات، دون سقف، لتتكرر مرة أخرى تجربة الرئيس الأسبق، وتغلق الوظائف العليا أو جزءًا مؤثراً منها على الحلقة الضيقة للنظام والحكم وشخصياته العليا.
12- أما المادة (67) فقد جاءت بسابقة غير معهودة فى تاريخ الوظيفة العامة فى مصر، وهى جواز الإحالة للمعاش المبكر بعد سن الخمسين بطلب الموظف، لتتكرر التجربة المؤلمة لشركات القطاع العام، والتى أضافت للبطالة رافداً جديداً فى البلاد. وتسهيلاً لذلك كرغبة ملحة من جانب الحكومة الحالية فى التخلص من عدد كبير من الموظفين منحت الفقرة الثانية من المادة هؤلاء اشتراكه الكامل فى التأمينات الاجتماعية أو خمس سنوات أيهما أقل.
13- أما الأحكام الانتقالية التى تشملها المواد من (68) حتى (72)، فأهم ما جاء فيها هو إلغاء وظيفة (كبير باحثين/ كبير إخصائيين/ كبير كتاب) والذين يعادلون درجة مدير عام من الجدول الوظيفى، على أن يحتفظ أصحابها بوظائفهم بصفة شخصية لحين انتهاء مدة شغلهم لها أو بلوغ سن التقاعد (م 69)، علماً بأن هؤلاء يقاربون 800 ألف إلى مليون موظف فى الوقت الحالى.
14- كما احتفظ أصحاب اللوائح الخاصة والكادر الخاص بوظائفهم (مثل كادر الشرطة - والمخابرات - والقضاء - الكادر الجامعى والسلكين الدبلوماسى والقنصلى)، لم يقترب منهم أحد وكذا بجدولهم المالى ونظم الحوافز والمكافآت والجهود غير العادية والأعمال الإضافية (م 71) بعد تحويلها من نسب مئوية - كالعلاوات الدورية والتشجيعية وغيرها - إلى مبالغ مقطوعة وفقاً لما كان قائماً فى 30/6/2015.
15- كما نصت المادة (72) على تحديث الوحدات الإدارية المخاطَبة بأحكام هذا القانون هياكلها التنظيمية، بكل ما يحمله ذلك من سيرك سوف ينصَب فى الشهور القليلة المقبلة.