هذه حكاية واحدة فقط من حكايات كثيرة مماثلة، نهديها إلى الذين يطالبوننا اليوم بتأليه الدولة والانسحاق أمام هيبتها ومؤسساتها، ويدّعون سمو وطنيتها على وطنية باقي الشعب، وانفرادها دوننا جميعا بالقدرة على حماية الأمن القومي، كما نهديها إلى كل الذين يطالبون بتفويض الرئيس ونظامه ومؤسساته، في حكم البلاد وإدارتها بلا رقيب أو تعقيب.
***
في أول سبتمبر من عام 1975، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية فض الاشتباك الثاني، والتي سمحت للعدو الأمريكي باختراق الجبهة المصرية لأول مرة، فلقد أسندت مهمة الاستطلاع الجوي فوق المناطق التي يغطيها الاتفاق للولايات المتحدة وليس للأمم المتحدة.
كما أسندت لها، مهام مراقبة محطات الإنذار المبكر التي أقامتها مصر وإسرائيل، وسمح لها من أجل ذلك بإدخال ما يقارب من 200 مراقب مدني، على أن يسمح لهم بالتنقل بحرية، وأن يتمتعوا بالحصانة من الاختصاص المحلي الجنائي والمدني.
***
لماذا نسميه اختراقاً؟
لأن الأمريكان بنص المواثيق الدولية ووفقا لاتفاقيات لاهاي 1907، كانوا في حالة حرب فعلية مع مصر، بعد أن قاموا بعمل جسر جوي من السلاح لقوات العدو الصهيوني أثناء حرب 1973، بالإضافة إلى تجسسهم الجوي على توزيع قواتنا في الجبهة الغربية للقناة، وإمدادهم إسرائيل بالمعلومات التي مكنتها من القيام بثغرة الدفرسوار. ناهيك بالدور الأمريكي المحرض والراعي والقائد والداعم والممول لجريمة احتلال سيناء عام 1967، والحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن يقضي بانسحاب القوات المعتدية، وفقا لما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
وبالتالي فإن السماح للعدو باختراق الجبهة المصرية، والقيام بدور المراقب والوسيط، بدلا من قوات الأمم المتحدة، صاحبة مثل هذه الاختصاصات في كل مناطق الحروب والنزاعات المسلحة، إنما يعكس انحرافا جسيما على ثوابت وأهداف وضرورات معركة التحرير واستقلال البلاد وأمنها القومي، خاصة بعد أن تحول هذا الدور المؤقت إلى دور دائم، وفقا لبروتوكول القوات متعددة الجنسية MFO، الموقع عام 1981، والذي أعطى مرة أخرى، للولايات المتحدة بدلا من الأمم المتحدة، مهمة مراقبة القوات المصرية في سيناء، كما أعطى لها الحصة الأكبر من عدد هذه القوات.
وهي القوات التي قال عنها القادة الإسرائيليون: "إن وجود القوات الأمريكية الحليفة لإسرائيل في سيناء، هو أهم شروط انسحابنا من سيناء".
وهي أيضا القوات التي يلوّح الأمريكان اليوم بالرغبة في سحبها، في إطار الضغوط التي يمارسونها على الإدارة المصرية لزيادة عتادها وتسليحها، ولإضافة مهام أمنية لأدوارها التي تقتصر بموجب المعاهدة على المراقبة فقط، وهو الانسحاب الذي رفضته مصر، رغم أن هناك مطلبا وطنيا قديما باستبدال متعددة الجنسية، بقوات محايدة تتبع الأمم المتحدة، لما في ذلك من تحرر من أحد القيود التي فرضتها علينا المعاهدة.
***
لماذا نطرح هذا الكلام الآن؟
لعدة أسباب:
- أولا: لأنه سيظل واجبا علينا مع طلعة كل صباح أن نذكر بالقيود التي فرضتها اتفاقيات كامب ديفيد على الإرادة والسيادة الوطنية المصرية، وجعلت من كل الإدارات المصرية المتعاقبة منذ توقيعها حتى اليوم، فاقدة لاستقلالية القرار الوطني، في مواجهة أي ضغوط أمريكية أو إسرائيلية جادة.
ولأن التحرر من هذه القيود هو مهمة وطنية لم تنجز بعد. ومهما طال الزمن وتعددت النظم والحكام والرؤساء، فإن أي نظام يحكمنا في إطار كامب ديفيد لا يمكن أن يكون نظاما وطنيا، بصرف النظر عما يردده من شعارات.
***
- ثانيا: لأنه بمراجعة أسماء كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين قبلوا التوقيع على هذه الاتفاقية وما سبقها من اتفاقية فض الاشتباك الأول في 28 يناير 1974، وما تلاها في كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، ثم المعاهدة في 26 مارس 1979، وما تلا ذلك من سيل من اتفاقيات التطبيع والتنسيق.. إلخ.
فإننا سنجد أنفسنا أمام قائمة من رجال الدولة، من الوزن الثقيل، الذين سبق وشاركوا جميعا، عسكريين ومدنيين، في معارك التحرير بدءا بحرب الاستنزاف وانتهاء بحرب أكتوبر، وهم ينتمون إلى الجيل الذي أدرك خطورة الكيان الصهيوني ومشروعه على مصر بقدر خطورته على فلسطين، الجيل الذي تولى إعداد وتربية كل المصريين على العداء لإسرائيل، وحتمية تطهير الأرض العربية منها، وأن المشكلة ليست في سيناء، وإنما في وجود هذا الكيان الاستيطاني العدواني التوسعي في قلب الأمة العربية وعلى حدودنا الشرقية.. إلخ.
ورغم ذلك فإنهم قبلوا جميعا، التوقيع على اتفاقيات، أقل ما يقال عنها إنها اتفاقيات تعكس حالة الضعف والاستسلام لتفوق إسرائيل، وإقرار بالعجز عن مواجهتها، ناهيك بتسليمهم مصر تسليم مفتاح للولايات المتحدة.
وهنا يأتي مربط الفرس؛ فمثل هذه الانحرافات الوطنية والتنازلات الخطيرة تسقط كل الدعوات التي يطلقونها اليوم، عن ضرورة تقديس الدولة بكل مؤسساتها إلى درجة تقترب من العبادة والتأليه. وأن الوطن والدولة والرئيس شيء واحد. من يؤيدهم وطني، ومن يعارضهم خائن، خاصة أن السيسي ونظامه الحالي لا يزالون يتبنون ذات النهج وذات السياسات في التعاطي مع إسرائيل، بل ويمعنون في تعميق علاقاتهم معها، وكثيرا ما يردد هو وخبراؤه العسكريون والاستراتيجيون على أن السلام معها أصبح أحد الثوابت المصرية وجزءا من وجدان كل المصريين!
***
- وأخيرا وليس آخرا، فإنه من الضروري أن نحيي ذكرى أخطائنا وهزائمنا وانحرافات حكامنا، جنبا إلى جنب مع إحياء ذكرى الانتصارات والإنجازات، لنتعظ ونتعلم ولنذكر أنفسنا دائما، بأنه لا فرق بين المصريين، حكاما أو محكومين، مدنيين أو عسكريين، إلا بمواقفهم ومعاركهم وبرامجهم وبصلابة تمسكهم بثوابتنا الوطنية.
- See more at: http://rassd.com/156308.htm#sthash.xZbNVArx.dpuf
***
في أول سبتمبر من عام 1975، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية فض الاشتباك الثاني، والتي سمحت للعدو الأمريكي باختراق الجبهة المصرية لأول مرة، فلقد أسندت مهمة الاستطلاع الجوي فوق المناطق التي يغطيها الاتفاق للولايات المتحدة وليس للأمم المتحدة.
كما أسندت لها، مهام مراقبة محطات الإنذار المبكر التي أقامتها مصر وإسرائيل، وسمح لها من أجل ذلك بإدخال ما يقارب من 200 مراقب مدني، على أن يسمح لهم بالتنقل بحرية، وأن يتمتعوا بالحصانة من الاختصاص المحلي الجنائي والمدني.
***
لماذا نسميه اختراقاً؟
لأن الأمريكان بنص المواثيق الدولية ووفقا لاتفاقيات لاهاي 1907، كانوا في حالة حرب فعلية مع مصر، بعد أن قاموا بعمل جسر جوي من السلاح لقوات العدو الصهيوني أثناء حرب 1973، بالإضافة إلى تجسسهم الجوي على توزيع قواتنا في الجبهة الغربية للقناة، وإمدادهم إسرائيل بالمعلومات التي مكنتها من القيام بثغرة الدفرسوار. ناهيك بالدور الأمريكي المحرض والراعي والقائد والداعم والممول لجريمة احتلال سيناء عام 1967، والحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن يقضي بانسحاب القوات المعتدية، وفقا لما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
وبالتالي فإن السماح للعدو باختراق الجبهة المصرية، والقيام بدور المراقب والوسيط، بدلا من قوات الأمم المتحدة، صاحبة مثل هذه الاختصاصات في كل مناطق الحروب والنزاعات المسلحة، إنما يعكس انحرافا جسيما على ثوابت وأهداف وضرورات معركة التحرير واستقلال البلاد وأمنها القومي، خاصة بعد أن تحول هذا الدور المؤقت إلى دور دائم، وفقا لبروتوكول القوات متعددة الجنسية MFO، الموقع عام 1981، والذي أعطى مرة أخرى، للولايات المتحدة بدلا من الأمم المتحدة، مهمة مراقبة القوات المصرية في سيناء، كما أعطى لها الحصة الأكبر من عدد هذه القوات.
وهي القوات التي قال عنها القادة الإسرائيليون: "إن وجود القوات الأمريكية الحليفة لإسرائيل في سيناء، هو أهم شروط انسحابنا من سيناء".
وهي أيضا القوات التي يلوّح الأمريكان اليوم بالرغبة في سحبها، في إطار الضغوط التي يمارسونها على الإدارة المصرية لزيادة عتادها وتسليحها، ولإضافة مهام أمنية لأدوارها التي تقتصر بموجب المعاهدة على المراقبة فقط، وهو الانسحاب الذي رفضته مصر، رغم أن هناك مطلبا وطنيا قديما باستبدال متعددة الجنسية، بقوات محايدة تتبع الأمم المتحدة، لما في ذلك من تحرر من أحد القيود التي فرضتها علينا المعاهدة.
***
لماذا نطرح هذا الكلام الآن؟
لعدة أسباب:
- أولا: لأنه سيظل واجبا علينا مع طلعة كل صباح أن نذكر بالقيود التي فرضتها اتفاقيات كامب ديفيد على الإرادة والسيادة الوطنية المصرية، وجعلت من كل الإدارات المصرية المتعاقبة منذ توقيعها حتى اليوم، فاقدة لاستقلالية القرار الوطني، في مواجهة أي ضغوط أمريكية أو إسرائيلية جادة.
ولأن التحرر من هذه القيود هو مهمة وطنية لم تنجز بعد. ومهما طال الزمن وتعددت النظم والحكام والرؤساء، فإن أي نظام يحكمنا في إطار كامب ديفيد لا يمكن أن يكون نظاما وطنيا، بصرف النظر عما يردده من شعارات.
***
- ثانيا: لأنه بمراجعة أسماء كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين قبلوا التوقيع على هذه الاتفاقية وما سبقها من اتفاقية فض الاشتباك الأول في 28 يناير 1974، وما تلاها في كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، ثم المعاهدة في 26 مارس 1979، وما تلا ذلك من سيل من اتفاقيات التطبيع والتنسيق.. إلخ.
فإننا سنجد أنفسنا أمام قائمة من رجال الدولة، من الوزن الثقيل، الذين سبق وشاركوا جميعا، عسكريين ومدنيين، في معارك التحرير بدءا بحرب الاستنزاف وانتهاء بحرب أكتوبر، وهم ينتمون إلى الجيل الذي أدرك خطورة الكيان الصهيوني ومشروعه على مصر بقدر خطورته على فلسطين، الجيل الذي تولى إعداد وتربية كل المصريين على العداء لإسرائيل، وحتمية تطهير الأرض العربية منها، وأن المشكلة ليست في سيناء، وإنما في وجود هذا الكيان الاستيطاني العدواني التوسعي في قلب الأمة العربية وعلى حدودنا الشرقية.. إلخ.
ورغم ذلك فإنهم قبلوا جميعا، التوقيع على اتفاقيات، أقل ما يقال عنها إنها اتفاقيات تعكس حالة الضعف والاستسلام لتفوق إسرائيل، وإقرار بالعجز عن مواجهتها، ناهيك بتسليمهم مصر تسليم مفتاح للولايات المتحدة.
وهنا يأتي مربط الفرس؛ فمثل هذه الانحرافات الوطنية والتنازلات الخطيرة تسقط كل الدعوات التي يطلقونها اليوم، عن ضرورة تقديس الدولة بكل مؤسساتها إلى درجة تقترب من العبادة والتأليه. وأن الوطن والدولة والرئيس شيء واحد. من يؤيدهم وطني، ومن يعارضهم خائن، خاصة أن السيسي ونظامه الحالي لا يزالون يتبنون ذات النهج وذات السياسات في التعاطي مع إسرائيل، بل ويمعنون في تعميق علاقاتهم معها، وكثيرا ما يردد هو وخبراؤه العسكريون والاستراتيجيون على أن السلام معها أصبح أحد الثوابت المصرية وجزءا من وجدان كل المصريين!
***
- وأخيرا وليس آخرا، فإنه من الضروري أن نحيي ذكرى أخطائنا وهزائمنا وانحرافات حكامنا، جنبا إلى جنب مع إحياء ذكرى الانتصارات والإنجازات، لنتعظ ونتعلم ولنذكر أنفسنا دائما، بأنه لا فرق بين المصريين، حكاما أو محكومين، مدنيين أو عسكريين، إلا بمواقفهم ومعاركهم وبرامجهم وبصلابة تمسكهم بثوابتنا الوطنية.
- See more at: http://rassd.com/156308.htm#sthash.xZbNVArx.dpuf